- النظرية السلوكية
المدرسة السلوكية اللسانية هي امتداد للمدرسة السلوكية في علم النفس التي يتزعمها واطسن Watson ، ويعد بلومفيلد Bloomfield صاحب كتاب اللغة ‘Language’ حلقة الوصل بين المدرستين حيث اشتهر بنقل أفكار السلوكيين إلى مجال اللغة وتطبيقها على الدراسات اللغوية.
وقد عرف عن السلوكيين نقدهم الشديد للعقلانيين، وتقليلهم من شأن كل الدراسات التي لا تقتصر في منهجها على السلوك الخارجي، وترى أن كل المحاولات التي تصف أو تفسر ما يجري في دماغ الإنسان أو في عقله إنما هي تكهنات تنقصها الموضوعية. ولذلك فلا مكان لما يعرف في نظرية الإشارة بالصورة الذهنية أو نحوها مما لا يمكن دراستها دراسة علمية موضوعية.
وتقوم النظرية السلوكية على مفهومي المثير stimulus والاستجابة response المعروفين في علم النفس السلوكي، ويطلق المثير (أو مثير المتكلم The Speaker’s Stimulusكما يسمى في اللسانيات) على الأحداث التي تسبق الكلام، وتكون سببا في كلام المتكلم، أما الأحداث التي تلي الكلام، فتدعى استجابة السامع The Hearer Response. وهكذا يتكون الموقف الكلامي من الآتي:
(أ) الأحداث العملية السابقة لعملية الكلام
(ب) الكلام
(ت) الأحداث العملية التالية للكلام.[1]
ولتوضيح ذلك آثر بلومفيلد أن يذكر المثال الآتي:
لنتخيل
(أ) أن جاك وجيل يتجولان في ممر مسيّج، وجيل جائعة، فترى تفاحة على الشجرة [المثير]
(ب) فتحدث أصواتا بحنجرتها ولسانها وشفتيها
[الكلام]
(ت) فيتخطى جاك السياج ويتسلق الشجرة، ويقطف التفاحة ثم يحضرها لجيل، ويناولها إياها، فتأكلها.[2]
[الاستجابة]
وقد يستمر الحديث بينهما على نحو يصبح في كل كلام مثير لاستجابة كلامية أخرى. وبذلك يصبح اللفظ أو المبنى اللغويlinguistic form كما يحلو لبلومفيلد أن يسميه شاملا لـ "الموقف الذي ينطق فيه المتكلم ذلك المبنى، والاستجابة التي يحدثها في السامع"[3]، ويعود سبب استخدامه لمصطلح المبنى بدلا من المعنى أو الكلمة إلى اعتبارات منهجية تقوم عليها النظرية السلوكية أساسا، وتتلخص في استبعاد المعنى من الدراسات اللغوية للأسباب الآتية:
(1) صعوبة التعامل مع المعنى، لأن ذلك يحتاج إلى الإلمام بكل شيء في عالم المتكلم، وهو مالا يمكن الإحاطة به.
(2) اختلاف المعاني من لغة إلى أخرى، وعلى سبيل المثال فإن الحوت في الألمانية يسمى سمكا، والخفاش يسمى فأرا.
(3) اختلاف شخصيات المتكلمين والتاريخ الثقافي لكل منهم، وخبراتهم الشخصية، الأمر الذي يصبغ المعنى بطابع شخصي ويجعل من الصعب التنبؤ بما يقوله كل متكلم.
(4) أن التعامل مع المعنى يحتاج إلى الاستبطان introspection أي التحقق بالنظر في داخل عقل الإنسان، وهو في رأي السلوكيين منهج غير موضوعي.
2، 2، 1- الانتقادات الموجهة للنظرية
دأبت المدرسة السلوكية –كما رأينا- على استبعاد المعنى عن الدراسات اللغوية، ولم يكن هذا حلا علميا لمشكلة التعامل مع المعنى، ولذا فقد جلب عليهم ذلك حملة نقدية من العقلانيين وغيرهم من أنصار التعامل مع المعنى، ومن الانتقادات التي وجهت إلى السلوكيين:
(1) يرى ناعوم تشومسكي Noam Chomsky –وهو من أشد المعترضين على السلوكيين- أن عدم الاهتمام بالأنظمة العميقة المفسرة للسلوك إنما هو "تعبير عن الافتقار إلى الاهتمام بالتنظير والتفسير".[4] ويرى أن التمسك بالموضوعية ليس غاية في حد ذاتها، فما جدوى التعلق بها إذا لم نظفر إلا بالقليل من التبصر والفهم.[5]
(2) يذكر جون لاينز أنه "ليس هناك ارتباط بين الكلمات والمواقف المستخدمة فيها إلى الحد الذي يمكن معه التنبؤ بحدوث كلمات معينة نتيجة لسلوك تحكمه العادة وقابل للتنبؤ به من خلال المواقف نفسها"[6]، ويرى أن ذكر العصفور مثلا لا يرتبط بالموقف الذي نرى فيه عصفورا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق